"دليل المستخدم لإعادة هيكلة نظام التجارة العالمي" هو تقرير أكاديمي أصدره ستيفن ميران في نوفمبر 2024، عندما لم يكن قد تم ترشيحه بعد لرئاسة مجلس المستشارين الاقتصاديين في إدارة ترامب. هذا التقرير ليس مخطط سياسة مباشر، بل هو تحليل من المؤلف حول إمكانيات تعديل السياسات التجارية والمالية الأمريكية من منظور شخصي، ويهدف إلى تقديم إطار لفهم إعادة تشكيل نظام التجارة العالمي لصانعي القرار والمستثمرين. يؤكد ميران بوضوح أن هذا التقرير لا يمثل الموقف الرسمي لشركة هادسون باي كابيتال أو فريق ترامب، بل يعكس استكشافه لتشخيص التحديات الهيكلية للاقتصاد الأمريكي وحلولها. خلفية التقرير هي فوز ترامب في نوفمبر 2024، حيث كانت سياسته محط اهتمام كبير، لكن شعور عدم الرضا بين الشعب الأمريكي تجاه العولمة وآثارها الاقتصادية قد تصاعد بشكل ملحوظ على مدى العقد الماضي. هذا الاستياء دفع الحزبين إلى تغيير سياستهم التجارية، من التجارة الحرة إلى تدابير الحماية التي تركز على تعزيز مكانة أمريكا.
يعتقد ميران أن ترامب لطالما أراد إصلاح النظام التجاري العالمي ليحقق للصناعات الأمريكية وضعًا أكثر عدلاً في المنافسة الدولية. قد يؤدي هذا الرغبة إلى "تحول جيل" خلال فترة ولايته الثانية. يهدف التقرير إلى تقديم رؤى حول العواقب الاقتصادية والسوقية المحتملة من خلال تحليل الاختلالات الاقتصادية في النظام التجاري العالمي، وتقديم قائمة بالأدوات السياسية المتاحة، وتقييم مزاياها وعيوبها. تأتي إصدار هذه الوثيقة في وقت بلغ فيه استياء الناخبين الأمريكيين من النظام الاقتصادي الدولي القائم ذروته، بينما زاد إعادة انتخاب ترامب من تفاقم هذه الاتجاه. لذلك، على الرغم من أن التقرير ذو طابع أكاديمي، إلا أن محتواه يُعتبر مرجعًا هامًا لفهم الاستراتيجية الاقتصادية لترامب خلال ولايته الثانية، خاصة بعد أن تم ترشيح ميران كمدير لمجلس المستشارين الاقتصاديين، مما زاد من تأثيره.
الأساس النظري - تقييم الدولار المرتفع وعدم التوازن الاقتصادي
تستند الحجة الأساسية للتقرير إلى نظرية المبالغة المستمرة في تقييم الدولار الأمريكي، والتي يرى ميران أنها السبب الجذري لاختلالات التجارة العالمية. ويستشهد ب "معضلة تريفين" لشرح هذه الظاهرة: كعملة احتياطية عالمية، يجب أن يوفر الدولار السيولة للعالم، لكن هذا الدور أدى إلى سعر صرف مبالغ فيه، مما جعل الصادرات الأمريكية أقل قدرة على المنافسة والواردات أرخص، على حساب القطاعات القابلة للتداول مثل التصنيع. وتنبع هذه المبالغة في تقييم الدولار من "الطلب غير المرن" العالمي على الدولار كأصل احتياطي حيث تستمر البلدان في شراء الدولار من أجل الاحتفاظ بأصول آمنة مثل سندات الخزانة الأميركية، الأمر الذي يؤدي إلى تجاوز قيمة الدولار لمستوى التوازن الذي تحدده أساسياته الاقتصادية. وأشار ميران إلى أن هذا الخلل واضح بشكل خاص في أوقات الركود، حيث ترتفع قيمة الدولار أكثر كأصل ملاذ آمن، مما يضعف القدرة التنافسية للصادرات الأمريكية، في حين تميل عملات الدول الأخرى إلى الانخفاض لتحفيز الصادرات. وقد أدى هذا التباين إلى انخفاض العمالة الصناعية في الولايات المتحدة بشكل حاد خلال فترات الانكماش الاقتصادي، وسيكون من الصعب التعافي خلال فترة التعافي.
وحلل كذلك أنه مع نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي، فإن التكلفة التي تتحملها الولايات المتحدة لتوفير الأصول الاحتياطية والحفاظ على مظلة أمنية عالمية (على سبيل المثال، من خلال الإنفاق الدفاعي) آخذة في الازدياد. وتتحمل هذه التكاليف في الأساس قطاعا التصنيع والقطاعات القابلة للتداول، وليس القطاعات المالية أو الخدمات. لم يضعف هذا الضغط الهيكلي القدرة التنافسية للاقتصاد الأمريكي فحسب، بل أثار أيضا مشاكل اجتماعية محلية، مثل انكماش الاقتصاد المحلي بسبب إغلاق المصانع والمصاعب الاقتصادية لأسر العمال. ووفقا لميران، فإن المبالغة في تقييم الدولار ليست قضية اقتصادية فنية فحسب، بل هي أيضا القوة الدافعة السياسية وراء ميول ترامب السياسية. يلقي ترامب وأنصاره باللوم في ركود التصنيع على قواعد التجارة غير العادلة ، ومفتاح حل هذه المشكلة هو خفض قيمة الدولار أو تعديل شروط التجارة لتخفيف العبء الهيكلي على الاقتصاد الأمريكي. ويوفر هذا الإطار النظري أساسا أكاديميا متينا لتوصيات السياسة العامة اللاحقة الواردة في التقرير.
أصل عدم التوازن في التجارة العالمية وسخط الولايات المتحدة
تناول ميران بعمق كيف أن عدم التوازن التجاري العالمي يثير استياءً واسع النطاق في الولايات المتحدة. وأشار إلى أن العجز التجاري الناتج عن تقدير الدولار بشكل مبالغ فيه وتراجع الصناعة التحويلية هو أصل عدم ثقة الجمهور في النظام الاقتصادي القائم. منذ السبعينات من القرن الماضي، تحول الحساب الجاري الأميركي من فائض في الستينات إلى عجز مستمر، وقد بلغ هذا العجز بحلول عام 2024 عدة نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي. في الوقت نفسه، انخفضت نسبة الوظائف في الصناعة التحويلية بشكل ملحوظ، وهذه التغيرات مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمكانة الدولار كعملة احتياطية. على الرغم من أن بعض الاقتصاديين يرون أن تراجع الوظائف في الصناعة هو نتيجة طبيعية لزيادة الإنتاجية العالمية والتقدم التكنولوجي، إلا أن ميران يؤكد أن هذه العواقب الاقتصادية تم تضخيمها في المجال السياسي لتصبح مقاومة شاملة للعولمة. هذه المشاعر كانت قوية بشكل خاص بين مؤيدي ترامب، الذين ربطوا بين إغلاق المصانع وفقدان الوظائف ونظام التجارة غير العادل.
تظهر البيانات المقدمة في التقرير أن مشكلة العجز التجاري الأمريكي أصبحت أكثر حدة على مدار العقود القليلة الماضية، وأن ارتفاع قيمة الدولار يجعل الولايات المتحدة في وضع غير ملائم في التجارة العالمية. يمكن للدول الأخرى تعويض الميزة التنافسية للولايات المتحدة من خلال تخفيض قيمة عملاتها أو تقديم دعم لصادراتها، بينما لا تستطيع الولايات المتحدة اتخاذ تدابير مماثلة بسبب قوة الدولار. يعتقد ميران أن هذا الاختلال ليس مجرد مشكلة اقتصادية، بل يؤدي أيضًا إلى آثار اجتماعية عميقة. على سبيل المثال، أدى تراجع الصناعة إلى انكماش الاقتصاد المحلي مما جعل الأسر العاملة تعتمد على المساعدات الحكومية، بل إن بعض المناطق شهدت مشكلات اجتماعية مثل انتشار إدمان المواد الأفيونية. هذه الظواهر زادت من عدم ثقة الشعب الأمريكي في النظام التجاري القائم، كما وفرت قاعدة دعم شعبي لسياسات ترامب. لقد أكد في حملته الانتخابية مرارًا أنه يجب إعادة تشكيل قواعد التجارة لاستعادة "عدالة" الاقتصاد الأمريكي، بينما تشير تحليلات ميران إلى أن هذا الهدف يحتاج إلى معالجة جذرية لمشكلة ارتفاع قيمة الدولار.
أدوات السياسة - من التعريفات إلى التدخل النقدي
الجزء الرابع من التقرير هو جوهر المحتوى، حيث يقدم "صندوق أدوات" مفصل لإعادة تشكيل النظام التجاري العالمي. قام ميران بإدراج مجموعة من الخيارات السياسية، وقام بتحليل مزاياها وعيوبها واحدة تلو الأخرى. أولاً، ناقش التعريفات، معتقدًا أنها أداة قد تعطي الأولوية للإدارة ترامب. باستخدام التعريفات المفروضة على الصين في 2018-2019 كمثال، أشار إلى أنه على الرغم من أن هذه التدابير زادت من تكاليف الاستيراد، إلا أنها لم تؤدي إلى عواقب اقتصادية كلية ملحوظة، حيث عوضت التعديلات في سعر صرف الرنمينبي جزئيًا عن تأثير التعريفات. لتعزيز التأثير، اقترح ميران أن تتخذ التعريفات المستقبلية شكل "التوجيه المستقبلي"، مثل زيادة تدريجية في معدلات التعريفات الشهرية (مثل زيادة 2%)، للضغط المستمر على الشركاء التجاريين، مما يجبرهم على تقديم تنازلات في المفاوضات.
ثانياً، اقترح تخفيض قيمة الدولار من خلال السياسة النقدية، بما في ذلك التوصل إلى اتفاقيات متعددة الأطراف مماثلة لـ "اتفاق مارا لاغو" مع الشركاء التجاريين، من خلال التدخل الجماعي لخفض سعر صرف الدولار. بالإضافة إلى ذلك، اقترح فرض "رسوم استخدام" على السندات الأمريكية المحتفظ بها من قبل الأجانب، أو إجبار الحكومات الأجنبية على تمديد فترة احتفاظها بالسندات لتقليل الطلب قصير المدى على الدولار. تهدف هذه التدابير إلى تقليل قيمة الدولار بينما تحاول الحفاظ على مكانته كعملة احتياطية. كما ذكر أدوات مساعدة أخرى، مثل تخفيض الضرائب لتحفيز الاستثمار المحلي، أو استغلال الولايات المتحدة كأكبر سوق استهلاكية في العالم لتحقيق ميزة في الحرب التجارية. ومع ذلك، اعترف ميران أيضاً بأن هذه الأدوات تحمل مخاطر: فقد تؤدي التعريفات الجمركية إلى تدابير انتقامية، مما يؤدي إلى انقطاع في سلاسل الإمداد العالمية؛ وقد يؤدي ضعف الدولار إلى زيادة تكاليف الاقتراض في الولايات المتحدة، مما يؤثر على الاستقرار المالي. وأكد على ضرورة تصميم مزيج السياسات بشكل يوازن بين أهداف إعادة التوازن التجاري والآثار السلبية المحتملة على الاقتصاد الأمريكي.
تحديات تأثير الأسواق المالية وتنفيذ السياسات
تناقش الجزء الخامس من التقرير التأثيرات المحتملة لهذه السياسات على الأسواق المالية والتحديات خلال التنفيذ. يتوقع ميرين أن السياسات المتعلقة بالرسوم الجمركية وانخفاض قيمة الدولار قد تتسبب في تقلبات سوقية قصيرة الأجل، وخاصة في أسواق العملات والسندات. إذا انخفض الدولار بشكل ملحوظ، فقد يقل الطلب من المستثمرين الأجانب على الأصول المقومة بالدولار، مما يؤدي إلى ارتفاع عوائد السندات الأمريكية، وبالتالي زيادة تكاليف الاقتراض. ومع ذلك، يعتقد أن هذا التأثير يمكن تخفيفه من خلال اتفاقيات العملة أو ضوابط رأس المال. في سوق الأسهم، قد ترتفع أسعار أسهم الشركات المرتبطة بالتصنيع بسبب الحماية الجمركية، ولكن الشركات المعتمدة على الواردات قد تواجه ضغوطاً. إذا تصاعدت حرب التجارة، فقد يؤدي انقطاع سلسلة التوريد العالمية إلى ضغوط تضخمية، رغم أن ميرين يعتقد أن تعديل سعر الصرف يمكن أن يعوض جزئياً هذا التأثير.
على المستوى التنفيذي، أشار إلى أن السياسات تحتاج إلى ترتيب وتنظيم بعناية. على سبيل المثال، يجب أن تكون التعريفات الجمركية أولوية على التدخلات النقدية، لتجنب إضعاف الدولار مبكرًا مما يؤدي إلى تدفق رأس المال للخارج. كما ذكر أن إدارة ترامب قد تستغل السلطات الطارئة (مثل قانون السلطات الاقتصادية الطارئة الدولية) لفرض هذه التدابير، لكن هذا قد يثير نزاعات قانونية وتوترات في العلاقات الدولية. وأكد ميران بشكل خاص أن مكانة الولايات المتحدة كدولة ذات طلب عالمي كبير تعطيها مزيدًا من الصمود في لعبة التجارة، لكن إذا اتجهت دول أخرى إلى اليورو أو اليوان كعملات احتياطية بديلة، فإن هيمنة الدولار قد تتعرض للتهديد. هذه الحالة من عدم اليقين تجعل نجاح السياسات يعتمد بشكل كبير على ردود الفعل الخارجية والقدرة على التنفيذ الداخلي.
وجهات النظر والتحقق من الواقع
في 7 أبريل 2025، أعلن ترامب عن فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على المنتجات المستوردة من كندا والمكسيك، للضغط على الدولتين بشأن قضايا تهريب المخدرات والهجرة غير الشرعية. هذه الخطوة تتماشى بشكل كبير مع استراتيجية الرسوم الجمركية لميران. وذكرت وسائل الإعلام أنه وفقًا لبيانات مجموعة أندرسون الاقتصادية، قد تؤدي هذه الخطوة إلى زيادة أسعار السيارات الأمريكية التي تستخدم قطع غيار من المكسيك وكندا بمقدار 4000 إلى 10000 دولار، مما يعكس تصور ميران لاستخدام الرسوم الجمركية لنقل العبء الاقتصادي وتحفيز الإنتاج المحلي. ومع ذلك، قدر كين روجوف، كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، أن ذلك سيزيد من احتمالية حدوث ركود في الاقتصاد الأمريكي إلى 50%، مما يعكس مخاوف ميران بشأن تقلبات الأسواق المالية، مثل ضعف الدولار الذي قد يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض.
ذكرت وسائل الإعلام أيضًا أن ترامب ربط الامتثال للرسوم الجمركية بالتزامات الدفاع، مطالبًا الحلفاء بشراء ديون الولايات المتحدة مقابل الحماية العسكرية. وهذا يعكس مباشرة استراتيجية الرافعة الأمنية في صندوق أدوات Miran، والتي تدعم استقرار الدولار من خلال أدوات الأمان. وقد أشار مقال إلى أنه على الرغم من أن السوق أبدت قلقها بشأن هذه السياسة المتطرفة، وأن عقود الآجلة لمؤشرات الأسهم الأمريكية انخفضت بنسبة 2% في 8 أبريل 2025، إلا أن هناك انتعاشًا تاليًا، مما يثبت أيضًا تقلبات Miran المتوقعة على المدى القصير وتكيف السوق. كما أن عدم اليقين في الاقتصاد العالمي يتزايد، مع التأكيد على أنه إذا تصاعدت الحرب التجارية، فقد يؤثر ذلك على سلسلة التوريد العالمية، وهو ما يتماشى أيضًا مع تحليل Miran لضغوط التضخم.
التلخيص والتوقعات
"دليل مستخدم لإعادة هيكلة نظام التجارة العالمي" يقدم إطارًا طموحًا ومثيرًا للجدل، يحاول معالجة التحديات الهيكلية التي تواجه الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي من خلال السياسات التجارية والنقدية. بدأ ميرين من نظرية تقدير الدولار، وشخص أسباب عدم التوازن التجاري، واقترح أدوات مبتكرة تتراوح من التعريفات الجمركية إلى الاتفاقيات النقدية متعددة الأطراف، تهدف إلى تعزيز القدرة التنافسية للصناعات الأمريكية، مع الحفاظ على مكانة الدولار كعملة احتياطية. يعترف بالمخاطر المحتملة لهذه السياسات، مثل التعريفات الانتقامية، وضغوط التضخم، وتقلبات الأسواق المالية، لكنه يعتقد أن التصميم الدقيق والتنسيق يمكن أن يخفف من الآثار السلبية. تشير سياسة التعريفات الجمركية التي اتبعتها ترامب في 2025 تجاه كندا والمكسيك إلى أن بعض أفكار ميرين بدأت تتحول إلى واقع، وستختبر التأثيرات اللاحقة جدوى هذا الإطار.
في النهاية، تواجه تنفيذ هذه الاقتراحات أيضًا اختبارات متعددة: ستحدد الدعم السياسي المحلي، ورغبة التعاون الدولي، واستجابة السوق نجاحها أو فشلها. على الرغم من أن التقرير يقدم أساسًا نظريًا وخيارات سياسية، لا يزال هناك شك فيما إذا كانت الإجراءات الأحادية في ظل العولمة كافية لإعادة تشكيل النظام العالمي. بالنسبة للمستثمرين وصناع القرار، فإن هذا الدليل هو نافذة لفهم استراتيجية ترامب الاقتصادية في ولايته الثانية، وأيضًا نقطة انطلاق تتطلب تقييمًا دقيقًا للمخاطر والعوائد. تحليل ميران مع السياسات الفعلية لترامب يشير إلى أن الولايات المتحدة قد تشهد تحولًا عميقًا في نظام التجارة، لكن النتائج لا تزال مليئة بعدم اليقين.
المحتوى هو للمرجعية فقط، وليس دعوة أو عرضًا. لا يتم تقديم أي مشورة استثمارية أو ضريبية أو قانونية. للمزيد من الإفصاحات حول المخاطر، يُرجى الاطلاع على إخلاء المسؤولية.
العولمة المائلة: تحليل الدعم النظري وراء حرب ترامب التجارية
كتابة: جروك، وحيد القرن الكتلة
ترجمة: وحيد القرن الكتلي
مقدمة وخلفية
"دليل المستخدم لإعادة هيكلة نظام التجارة العالمي" هو تقرير أكاديمي أصدره ستيفن ميران في نوفمبر 2024، عندما لم يكن قد تم ترشيحه بعد لرئاسة مجلس المستشارين الاقتصاديين في إدارة ترامب. هذا التقرير ليس مخطط سياسة مباشر، بل هو تحليل من المؤلف حول إمكانيات تعديل السياسات التجارية والمالية الأمريكية من منظور شخصي، ويهدف إلى تقديم إطار لفهم إعادة تشكيل نظام التجارة العالمي لصانعي القرار والمستثمرين. يؤكد ميران بوضوح أن هذا التقرير لا يمثل الموقف الرسمي لشركة هادسون باي كابيتال أو فريق ترامب، بل يعكس استكشافه لتشخيص التحديات الهيكلية للاقتصاد الأمريكي وحلولها. خلفية التقرير هي فوز ترامب في نوفمبر 2024، حيث كانت سياسته محط اهتمام كبير، لكن شعور عدم الرضا بين الشعب الأمريكي تجاه العولمة وآثارها الاقتصادية قد تصاعد بشكل ملحوظ على مدى العقد الماضي. هذا الاستياء دفع الحزبين إلى تغيير سياستهم التجارية، من التجارة الحرة إلى تدابير الحماية التي تركز على تعزيز مكانة أمريكا.
يعتقد ميران أن ترامب لطالما أراد إصلاح النظام التجاري العالمي ليحقق للصناعات الأمريكية وضعًا أكثر عدلاً في المنافسة الدولية. قد يؤدي هذا الرغبة إلى "تحول جيل" خلال فترة ولايته الثانية. يهدف التقرير إلى تقديم رؤى حول العواقب الاقتصادية والسوقية المحتملة من خلال تحليل الاختلالات الاقتصادية في النظام التجاري العالمي، وتقديم قائمة بالأدوات السياسية المتاحة، وتقييم مزاياها وعيوبها. تأتي إصدار هذه الوثيقة في وقت بلغ فيه استياء الناخبين الأمريكيين من النظام الاقتصادي الدولي القائم ذروته، بينما زاد إعادة انتخاب ترامب من تفاقم هذه الاتجاه. لذلك، على الرغم من أن التقرير ذو طابع أكاديمي، إلا أن محتواه يُعتبر مرجعًا هامًا لفهم الاستراتيجية الاقتصادية لترامب خلال ولايته الثانية، خاصة بعد أن تم ترشيح ميران كمدير لمجلس المستشارين الاقتصاديين، مما زاد من تأثيره.
الأساس النظري - تقييم الدولار المرتفع وعدم التوازن الاقتصادي
تستند الحجة الأساسية للتقرير إلى نظرية المبالغة المستمرة في تقييم الدولار الأمريكي، والتي يرى ميران أنها السبب الجذري لاختلالات التجارة العالمية. ويستشهد ب "معضلة تريفين" لشرح هذه الظاهرة: كعملة احتياطية عالمية، يجب أن يوفر الدولار السيولة للعالم، لكن هذا الدور أدى إلى سعر صرف مبالغ فيه، مما جعل الصادرات الأمريكية أقل قدرة على المنافسة والواردات أرخص، على حساب القطاعات القابلة للتداول مثل التصنيع. وتنبع هذه المبالغة في تقييم الدولار من "الطلب غير المرن" العالمي على الدولار كأصل احتياطي حيث تستمر البلدان في شراء الدولار من أجل الاحتفاظ بأصول آمنة مثل سندات الخزانة الأميركية، الأمر الذي يؤدي إلى تجاوز قيمة الدولار لمستوى التوازن الذي تحدده أساسياته الاقتصادية. وأشار ميران إلى أن هذا الخلل واضح بشكل خاص في أوقات الركود، حيث ترتفع قيمة الدولار أكثر كأصل ملاذ آمن، مما يضعف القدرة التنافسية للصادرات الأمريكية، في حين تميل عملات الدول الأخرى إلى الانخفاض لتحفيز الصادرات. وقد أدى هذا التباين إلى انخفاض العمالة الصناعية في الولايات المتحدة بشكل حاد خلال فترات الانكماش الاقتصادي، وسيكون من الصعب التعافي خلال فترة التعافي.
وحلل كذلك أنه مع نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي، فإن التكلفة التي تتحملها الولايات المتحدة لتوفير الأصول الاحتياطية والحفاظ على مظلة أمنية عالمية (على سبيل المثال، من خلال الإنفاق الدفاعي) آخذة في الازدياد. وتتحمل هذه التكاليف في الأساس قطاعا التصنيع والقطاعات القابلة للتداول، وليس القطاعات المالية أو الخدمات. لم يضعف هذا الضغط الهيكلي القدرة التنافسية للاقتصاد الأمريكي فحسب، بل أثار أيضا مشاكل اجتماعية محلية، مثل انكماش الاقتصاد المحلي بسبب إغلاق المصانع والمصاعب الاقتصادية لأسر العمال. ووفقا لميران، فإن المبالغة في تقييم الدولار ليست قضية اقتصادية فنية فحسب، بل هي أيضا القوة الدافعة السياسية وراء ميول ترامب السياسية. يلقي ترامب وأنصاره باللوم في ركود التصنيع على قواعد التجارة غير العادلة ، ومفتاح حل هذه المشكلة هو خفض قيمة الدولار أو تعديل شروط التجارة لتخفيف العبء الهيكلي على الاقتصاد الأمريكي. ويوفر هذا الإطار النظري أساسا أكاديميا متينا لتوصيات السياسة العامة اللاحقة الواردة في التقرير.
أصل عدم التوازن في التجارة العالمية وسخط الولايات المتحدة
تناول ميران بعمق كيف أن عدم التوازن التجاري العالمي يثير استياءً واسع النطاق في الولايات المتحدة. وأشار إلى أن العجز التجاري الناتج عن تقدير الدولار بشكل مبالغ فيه وتراجع الصناعة التحويلية هو أصل عدم ثقة الجمهور في النظام الاقتصادي القائم. منذ السبعينات من القرن الماضي، تحول الحساب الجاري الأميركي من فائض في الستينات إلى عجز مستمر، وقد بلغ هذا العجز بحلول عام 2024 عدة نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي. في الوقت نفسه، انخفضت نسبة الوظائف في الصناعة التحويلية بشكل ملحوظ، وهذه التغيرات مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمكانة الدولار كعملة احتياطية. على الرغم من أن بعض الاقتصاديين يرون أن تراجع الوظائف في الصناعة هو نتيجة طبيعية لزيادة الإنتاجية العالمية والتقدم التكنولوجي، إلا أن ميران يؤكد أن هذه العواقب الاقتصادية تم تضخيمها في المجال السياسي لتصبح مقاومة شاملة للعولمة. هذه المشاعر كانت قوية بشكل خاص بين مؤيدي ترامب، الذين ربطوا بين إغلاق المصانع وفقدان الوظائف ونظام التجارة غير العادل.
تظهر البيانات المقدمة في التقرير أن مشكلة العجز التجاري الأمريكي أصبحت أكثر حدة على مدار العقود القليلة الماضية، وأن ارتفاع قيمة الدولار يجعل الولايات المتحدة في وضع غير ملائم في التجارة العالمية. يمكن للدول الأخرى تعويض الميزة التنافسية للولايات المتحدة من خلال تخفيض قيمة عملاتها أو تقديم دعم لصادراتها، بينما لا تستطيع الولايات المتحدة اتخاذ تدابير مماثلة بسبب قوة الدولار. يعتقد ميران أن هذا الاختلال ليس مجرد مشكلة اقتصادية، بل يؤدي أيضًا إلى آثار اجتماعية عميقة. على سبيل المثال، أدى تراجع الصناعة إلى انكماش الاقتصاد المحلي مما جعل الأسر العاملة تعتمد على المساعدات الحكومية، بل إن بعض المناطق شهدت مشكلات اجتماعية مثل انتشار إدمان المواد الأفيونية. هذه الظواهر زادت من عدم ثقة الشعب الأمريكي في النظام التجاري القائم، كما وفرت قاعدة دعم شعبي لسياسات ترامب. لقد أكد في حملته الانتخابية مرارًا أنه يجب إعادة تشكيل قواعد التجارة لاستعادة "عدالة" الاقتصاد الأمريكي، بينما تشير تحليلات ميران إلى أن هذا الهدف يحتاج إلى معالجة جذرية لمشكلة ارتفاع قيمة الدولار.
أدوات السياسة - من التعريفات إلى التدخل النقدي
الجزء الرابع من التقرير هو جوهر المحتوى، حيث يقدم "صندوق أدوات" مفصل لإعادة تشكيل النظام التجاري العالمي. قام ميران بإدراج مجموعة من الخيارات السياسية، وقام بتحليل مزاياها وعيوبها واحدة تلو الأخرى. أولاً، ناقش التعريفات، معتقدًا أنها أداة قد تعطي الأولوية للإدارة ترامب. باستخدام التعريفات المفروضة على الصين في 2018-2019 كمثال، أشار إلى أنه على الرغم من أن هذه التدابير زادت من تكاليف الاستيراد، إلا أنها لم تؤدي إلى عواقب اقتصادية كلية ملحوظة، حيث عوضت التعديلات في سعر صرف الرنمينبي جزئيًا عن تأثير التعريفات. لتعزيز التأثير، اقترح ميران أن تتخذ التعريفات المستقبلية شكل "التوجيه المستقبلي"، مثل زيادة تدريجية في معدلات التعريفات الشهرية (مثل زيادة 2%)، للضغط المستمر على الشركاء التجاريين، مما يجبرهم على تقديم تنازلات في المفاوضات.
ثانياً، اقترح تخفيض قيمة الدولار من خلال السياسة النقدية، بما في ذلك التوصل إلى اتفاقيات متعددة الأطراف مماثلة لـ "اتفاق مارا لاغو" مع الشركاء التجاريين، من خلال التدخل الجماعي لخفض سعر صرف الدولار. بالإضافة إلى ذلك، اقترح فرض "رسوم استخدام" على السندات الأمريكية المحتفظ بها من قبل الأجانب، أو إجبار الحكومات الأجنبية على تمديد فترة احتفاظها بالسندات لتقليل الطلب قصير المدى على الدولار. تهدف هذه التدابير إلى تقليل قيمة الدولار بينما تحاول الحفاظ على مكانته كعملة احتياطية. كما ذكر أدوات مساعدة أخرى، مثل تخفيض الضرائب لتحفيز الاستثمار المحلي، أو استغلال الولايات المتحدة كأكبر سوق استهلاكية في العالم لتحقيق ميزة في الحرب التجارية. ومع ذلك، اعترف ميران أيضاً بأن هذه الأدوات تحمل مخاطر: فقد تؤدي التعريفات الجمركية إلى تدابير انتقامية، مما يؤدي إلى انقطاع في سلاسل الإمداد العالمية؛ وقد يؤدي ضعف الدولار إلى زيادة تكاليف الاقتراض في الولايات المتحدة، مما يؤثر على الاستقرار المالي. وأكد على ضرورة تصميم مزيج السياسات بشكل يوازن بين أهداف إعادة التوازن التجاري والآثار السلبية المحتملة على الاقتصاد الأمريكي.
تحديات تأثير الأسواق المالية وتنفيذ السياسات
تناقش الجزء الخامس من التقرير التأثيرات المحتملة لهذه السياسات على الأسواق المالية والتحديات خلال التنفيذ. يتوقع ميرين أن السياسات المتعلقة بالرسوم الجمركية وانخفاض قيمة الدولار قد تتسبب في تقلبات سوقية قصيرة الأجل، وخاصة في أسواق العملات والسندات. إذا انخفض الدولار بشكل ملحوظ، فقد يقل الطلب من المستثمرين الأجانب على الأصول المقومة بالدولار، مما يؤدي إلى ارتفاع عوائد السندات الأمريكية، وبالتالي زيادة تكاليف الاقتراض. ومع ذلك، يعتقد أن هذا التأثير يمكن تخفيفه من خلال اتفاقيات العملة أو ضوابط رأس المال. في سوق الأسهم، قد ترتفع أسعار أسهم الشركات المرتبطة بالتصنيع بسبب الحماية الجمركية، ولكن الشركات المعتمدة على الواردات قد تواجه ضغوطاً. إذا تصاعدت حرب التجارة، فقد يؤدي انقطاع سلسلة التوريد العالمية إلى ضغوط تضخمية، رغم أن ميرين يعتقد أن تعديل سعر الصرف يمكن أن يعوض جزئياً هذا التأثير.
على المستوى التنفيذي، أشار إلى أن السياسات تحتاج إلى ترتيب وتنظيم بعناية. على سبيل المثال، يجب أن تكون التعريفات الجمركية أولوية على التدخلات النقدية، لتجنب إضعاف الدولار مبكرًا مما يؤدي إلى تدفق رأس المال للخارج. كما ذكر أن إدارة ترامب قد تستغل السلطات الطارئة (مثل قانون السلطات الاقتصادية الطارئة الدولية) لفرض هذه التدابير، لكن هذا قد يثير نزاعات قانونية وتوترات في العلاقات الدولية. وأكد ميران بشكل خاص أن مكانة الولايات المتحدة كدولة ذات طلب عالمي كبير تعطيها مزيدًا من الصمود في لعبة التجارة، لكن إذا اتجهت دول أخرى إلى اليورو أو اليوان كعملات احتياطية بديلة، فإن هيمنة الدولار قد تتعرض للتهديد. هذه الحالة من عدم اليقين تجعل نجاح السياسات يعتمد بشكل كبير على ردود الفعل الخارجية والقدرة على التنفيذ الداخلي.
وجهات النظر والتحقق من الواقع
في 7 أبريل 2025، أعلن ترامب عن فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على المنتجات المستوردة من كندا والمكسيك، للضغط على الدولتين بشأن قضايا تهريب المخدرات والهجرة غير الشرعية. هذه الخطوة تتماشى بشكل كبير مع استراتيجية الرسوم الجمركية لميران. وذكرت وسائل الإعلام أنه وفقًا لبيانات مجموعة أندرسون الاقتصادية، قد تؤدي هذه الخطوة إلى زيادة أسعار السيارات الأمريكية التي تستخدم قطع غيار من المكسيك وكندا بمقدار 4000 إلى 10000 دولار، مما يعكس تصور ميران لاستخدام الرسوم الجمركية لنقل العبء الاقتصادي وتحفيز الإنتاج المحلي. ومع ذلك، قدر كين روجوف، كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، أن ذلك سيزيد من احتمالية حدوث ركود في الاقتصاد الأمريكي إلى 50%، مما يعكس مخاوف ميران بشأن تقلبات الأسواق المالية، مثل ضعف الدولار الذي قد يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض.
ذكرت وسائل الإعلام أيضًا أن ترامب ربط الامتثال للرسوم الجمركية بالتزامات الدفاع، مطالبًا الحلفاء بشراء ديون الولايات المتحدة مقابل الحماية العسكرية. وهذا يعكس مباشرة استراتيجية الرافعة الأمنية في صندوق أدوات Miran، والتي تدعم استقرار الدولار من خلال أدوات الأمان. وقد أشار مقال إلى أنه على الرغم من أن السوق أبدت قلقها بشأن هذه السياسة المتطرفة، وأن عقود الآجلة لمؤشرات الأسهم الأمريكية انخفضت بنسبة 2% في 8 أبريل 2025، إلا أن هناك انتعاشًا تاليًا، مما يثبت أيضًا تقلبات Miran المتوقعة على المدى القصير وتكيف السوق. كما أن عدم اليقين في الاقتصاد العالمي يتزايد، مع التأكيد على أنه إذا تصاعدت الحرب التجارية، فقد يؤثر ذلك على سلسلة التوريد العالمية، وهو ما يتماشى أيضًا مع تحليل Miran لضغوط التضخم.
التلخيص والتوقعات
"دليل مستخدم لإعادة هيكلة نظام التجارة العالمي" يقدم إطارًا طموحًا ومثيرًا للجدل، يحاول معالجة التحديات الهيكلية التي تواجه الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي من خلال السياسات التجارية والنقدية. بدأ ميرين من نظرية تقدير الدولار، وشخص أسباب عدم التوازن التجاري، واقترح أدوات مبتكرة تتراوح من التعريفات الجمركية إلى الاتفاقيات النقدية متعددة الأطراف، تهدف إلى تعزيز القدرة التنافسية للصناعات الأمريكية، مع الحفاظ على مكانة الدولار كعملة احتياطية. يعترف بالمخاطر المحتملة لهذه السياسات، مثل التعريفات الانتقامية، وضغوط التضخم، وتقلبات الأسواق المالية، لكنه يعتقد أن التصميم الدقيق والتنسيق يمكن أن يخفف من الآثار السلبية. تشير سياسة التعريفات الجمركية التي اتبعتها ترامب في 2025 تجاه كندا والمكسيك إلى أن بعض أفكار ميرين بدأت تتحول إلى واقع، وستختبر التأثيرات اللاحقة جدوى هذا الإطار.
في النهاية، تواجه تنفيذ هذه الاقتراحات أيضًا اختبارات متعددة: ستحدد الدعم السياسي المحلي، ورغبة التعاون الدولي، واستجابة السوق نجاحها أو فشلها. على الرغم من أن التقرير يقدم أساسًا نظريًا وخيارات سياسية، لا يزال هناك شك فيما إذا كانت الإجراءات الأحادية في ظل العولمة كافية لإعادة تشكيل النظام العالمي. بالنسبة للمستثمرين وصناع القرار، فإن هذا الدليل هو نافذة لفهم استراتيجية ترامب الاقتصادية في ولايته الثانية، وأيضًا نقطة انطلاق تتطلب تقييمًا دقيقًا للمخاطر والعوائد. تحليل ميران مع السياسات الفعلية لترامب يشير إلى أن الولايات المتحدة قد تشهد تحولًا عميقًا في نظام التجارة، لكن النتائج لا تزال مليئة بعدم اليقين.